“في كلّ مرّة ينجح فيها مصرف لبنان بلجم تدهور سعر صرف #الدولار، تلبية لمطالب السلطة التي تَعِد بأن تسرع بالإصلاحات وإنقاذ الوضع قبل نفاد ما تبقى من احتياطيّ لدى “المركزي”، تعود السلطة إلى المربّع الأوّل، وتأبى أن تتخذ الإجراءات اللازمة للحدّ من التدهور وإنقاذ ما تبقّى. وآخر الفصول وصول سعر صرف الدولار إلى 27 ألف ليرة لبنانيّة في السوق السوداء، بالرغم من أنّ مصرف لبنان لا يزال يؤمّن الدولار من خلال منصة “صيرفة”، التي بلغ حجم التداول عليها 76 مليون دولار أمس الخميس في 21 نيسان. وفي ظلّ الأجواء التي تسود حول الاتجاه إلى وقف العمل بالتعميم 161، وإقفال منصّة “صيرفة”، وأنّ ذلك يدفع الدولار صعوداً، أين تكمن الحقيقة؟ ولماذا وصل دولار السوق السوداء إلى هذه المستويات؟
بالفعل، نجح “المركزي” في وقف تدهور سعر الصّرف، وضخّ ملايين الدولارات منذ بدء العمل بالتعيمم 161 لوقف جنون الدولار، الذي وصل إلى 30 ألف ليرة في كانون الثاني من هذا العام، واضطر إلى فعل ذلك تحت وابل من الضغوط السياسية قبل الانتخابات النيابية. فصحيح أنّ ضخّ هذه الدولارات في السوق من دون خطّة إنقاذية ضيّعها، وصحيح أنّ “شفط الليرات من السوق” ليس الحلّ لتخفيض سعر الدولار، الذي يُمكن أن يحلّق في أيّ مرحلة لاحقة، لكن أيّ أدوات نقديّة يملكها مصرف لبنان في ظلّ اقتصار عمل المصارف على السحوبات النقديّة؟ وفي بلد مدولر، لا يمكن للمركزي التحكّم كثيراً بسعر الفائدة، لأنها مرتبطة بالفائدة على الدولار، وأساساً كيف يمكنه التدخل من خلال أسعار الفائدة في مثل ظروف مماثلة؟
المغزى من هذا التوصيف القول إنّه كان يترتب على الحكومة والمجلس النيابي التدخل السريع لإقرار الخطط الإنقاذية بواسطة خطّة للتعافي على أسس سليمة، وتحديد مصير أسعار الصرف المتعدّدة، وبعدها إقرار الكابيتال كونترول بالتوازي مع الإصلاحات الإدارية والمالية. لكن أين السلطات من كلّ ذلك على الأقلّ بعد بدء تطبيق التعميم 161؟ وإذا كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد نجح في تهدئة عاصفة الدولار في كلّ الفترة السابقة، ولم يدعه يتجاوز الـ30 ألف ليرة، في حين كانت تقديرات الخبراء أنّه سيتجاوز الـ35 ألف ليرة بعد الانتخابات، فإنّ السلطة فشلت في القيام بواجبها الإنقاذي حتى السّاعة.
وشرح الخبير الاقتصادي الدكتور منير راشد لـ”النهار” بأنّ “سبب ارتفاع الدولار إلى 27 ألف ليرة هو الأجواء السلبيّة التي انتشرت بعد تعذّر إقرار قانون الكابيتال كونترول، وهو أحد المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي، ممّا يعني أنّ الاتفاق مع الصندوق سيتأخر إلى ما بعد الانتخابات”، مشيراً إلى أنّ “معظم الشعب اللبناني مقتنع بأنّ الخلاص هو من خلال صندوق النقد الدولي، الذي سيقرضنا 3 مليارات دولار مقابل شطب 70 مليار دولار؛ لذلك فإنّ هذا التأخير في الاتفاق بالإضافة إلى الأجواء السلبيّة المنتشرة في البلاد أدّى إلى ارتفاع الدولار إلى 27 ألف ليرة لبنانية في تعاملات صباح اليوم 22 نيسان”.
وردّاً على الشائعات بشأن التوجّه إلى إلغاء منصّة “صيرفة” وتوقيف العمل بالتعميم 161، أكّد مصدر رسمي في مصرف لبنان معنيّ بالمنصّة لـ”النهار” أنّ “هناك توجّهاً لتمديد العمل بالتعميم 161، وليس توقيف العمل به، وأنّ منصة صيرفة مستمرّة، ولا يوجد أي نيّة حتى الآن لتوقيف العمل بها”.
وعن تفسير التقلّبات في حجم التداول على منصّة “صيرفة”، التي تراوحت خلال نيسان ما بين الـ35 مليون دولار والـ85 مليون دولار في اليوم، قال المصدر في مصرف لبنان إنّ “السبب يعود إلى الطلب على المنصّة، الذي تدخل فيه عناصر عدّة، وإنّ “المركزي” يؤمن الدولارات المطلوبة، والتي تكون مستندات طالبها مقبولة”. وإذا كانت بعض المصارف تفتح المنصّة لعشر دقائق يومياً، فإنّ الموضوع ليس لدى المصرف المركزي بل لدى الصرافين، وقد يكون هناك غايات ربحيّة أخرى خلف هذا الموضوع، وفق ما تقول أوساط مراقبة.